أرشيف

فرحان:القي القبض علي في 1979م وحققوا معي طيلة سنتين ونصف

هذا الحوار جزء من ملف مفتوح عن التعذيب في اليمن تتبناه منظمة التغيير للدفاع عن الحقوق والحريات التي يرأسها النائب المستقل احمد سيف حاشد،وقد رأت المنظمة نشر هذا الملف في صحيفة (المستقلة)..و رأينا نحن إعادة نشره تباعا بالتنسيق مع (المستقلة ) لإيماننا بأهمية إطلاع الناس على ما حدث من أجل العمل معا على ألا يحدث مجددا…….«يمنات»

…………………………………

سيرة بطل هذا العدد.. مختلفة كثيراً عن حكايات أبطال الحلقات السابقة، ذلك أنه ولد مناضلاً بعد أن كان أمياً تماماً.. درس وأعد  لميادين الرجولة.. ناضل في الشمال والجنوب قبل تحقيق الوحدة.. سجن مرتين إلى جوار كوكبة من الضباط والأدباء والمثقفين، منهم فقيد الأدب الأكبر / عبد الله البردوني، ورائد القصة اليمنية الشهيد محمد عبد الولي، وشهيد الديمقراطية والتسامح السياسي في اليمن “جار الله عمر” وغيرهم.. وحتى لا تفسد هذه المقدمة متعة اللقاء وما جاء فيه من أسرار تكشف لأول مرة ندعو قراءنا للإبحار في هذا الحوار مع المناضل فرحان عبد الله وهفان.. عضو اللجنة المركزي للحزب الاشتراكي..

حاوره: منصور السروري

جني والمشيخة

عندما قامت الثورة كنت في عمران.. هربت من البيت لأنني كنت أرعي الغنم وأكل الذئب عدة رؤوس.. فهربت من البيت خائفاً من العقاب إضافة إلى سبب آخر هو الهروب من المشاكل التي كانت بين أفراد الأسرة.. خرجت إلى عمران.. بالصدفة قامت الثورة أو الانقلاب على الإمام البدر.. دخلنا صنعاء نشوف الثورة، نشتي نتعرف على الثورة.. اللي حصل أنهم كانوا يوزعوا بنادق.. وسجلت أنا واثنين أنفار.. ما به حد غيرنا ، وصلنا من عمران يوم الثورة.. حصلنا على (15 ريالاً) لكل واحد وثلاثة بنادق، وطرحنا البنادق وداعة عند واحد خوفاً من أن يأتي أتباع الإمام ويقولوا هذه من حق الإمام ويأخذوها.. رجعت إلى صنعاء، أمرنا السلال أن نسير إلى المطار يومها.. ذهبت وكانوا يجهزوا جماعة جاءت من الجنوب من يافع وردفان ومن الحجرية.. وكانت الطائرة “إيتنوف” قاربت تمتلئ.. قدمت لهم ورقة أنني ابن شيخ.. قالوا : جني إحنا والمشيخة اطلع. طلعت الطائرة وحملتنا إلى جمهورية مصر العربية.

حلمة الزيتونة

وصلنا إلى مدرسة “حلمة الزيتونة” بالقاهرة، مدرسة خاصة بالصاعقة والمظلات” يوم 16/3/63م.

طبعاً عندما تصل من قرية كانوا يشيعون فيها أن المطر ما عد يجي بعد ما يسير الإمام إلى مجتمع تشوفه متحضر زي مصر ، تحتك بعالم جنبك متمدن وأنا قادم من مجتمع خال من المدنية مع اللي جاء من تعز والذي جاء من المحافظات الجنوبية حتى من المهرة كان معنا زميل اسمه “أبو صبري” طبعاً كانت عوامل الاختلاط هذه كلها تكون داخلي وفي ذهني حاجة جديدة بينها التعالي على موروثات القبيلة المتخلفة والتعالي على العقدة والأسرية.. بعد سنة عدنا مباشرة إلى صنعاء.. وتواً انتقلت إلى صعدة مع  نصف المجموعة.

سجن جيزان

اكتشفنا أن هناك تآمراً على المجموعة عندما انتقلنا من صنعاء إلى صعدة.. فبدلاً من أن يرسلوا لنا بذخيرة للبنادق الجرمل التي كانت بحوزتنا أرسلوا لنا بذخيرة حق (شيكي) أو (12/ 7).. كان الخيار أن (الدفعي) يريد أن يزج بنا إلى المهلكة، وكان معنا وزير الحربية، تحاصرنا في قلعة (رازح) وفرض الملكيون علينا طوقاً من الحصار لمدة 6 أيام ، سلمنا أنفسنا على إثرها بعد أن شارفنا على الموت من شدة الجوع والعطش ونفاذ الذخيرة التي معنا وعدم استفادتنا من الذخيرة التي وصلتنا.

سلمنا أنفسنا للقوات الملكية الذين أسرونا ونقلونا إلى أبو عريش ومنها نقلونا بسيارة إلى السجون التي كانت تابعة لهم في المناطق التي لم تقع تحت سيطرة الجمهورية، فالبعض سجنوا في وشحة والبعض في الأهنوم والبعض في سجن جيزان الذي كنت فيه.

وكان معنا حد ما أذكر عبد الكريم السكري وآخر اسمه أمين المقطري وآخر… طربوش وآخر من بني مطر.

حولوا الجامع الكبير إلى سينما

كان معنا شخص  هو الوحيد المنظم في اتحاد الشعب الديمقراطي استغل وجودنا في السجن وبدأ يعلم الذين هم أميين القراءة والكتابة، وألزم كل واحد يقرأ ويكتب أن يأخذ مجموعة من الأميين ويعلمهم القراءة وكانت هذه أول فرصة لي أن تعلمت القراءة والكتابة لأن دراستنا في القاهرة كانت مقصورة على أساسيات الأمور العسكرية كالتدريبات والتمارين العسكرية وكيفية التعامل مع السلاح وبعض الخطط العسكرية الأولية، وبدأنا فعلاً نتعلم القراءة والكتابة في السجن، وكان يأتي مطوع إلى السجن من هؤلاء أصحاب الدعوة ويخطب بنا يوم الجمعة داخل السجن ويقول أنهم حولوا الجامع الكبير في صنعاء إلى مسرح ودار للسينما، وأن المصريين يفعلوا بالنسوان وأنه.. وأنه.. المهم يوم خرجنا والشهيد الأحمر ومجموعة معي رحنا للمسجد الكبير بصنعاء لنتأكد أنه تحول إلى دار للسينما، وجدنا الناس تصلي الظهر وعندما قلنا بهذه الحكاية لبعض الضباط قالوا لنا: هذه دعاية يشنها الإعلام المعادي للثورة، أقصد أن كل هذه المواقف أخذت تتراكم في الذهن وتشكل رؤيتي ناحية المستقبل الذي ينبغي أن نكون فيه..

الكلية الحربية

وهكذا أخذت أقرأ كل ما يتشكل في ذهني ومن ثم أحدد المسار والطريق الخاص بي، لهذا عندما خرجت من سجن جيزان وعدت إلى صنعاء سمعت أنهم يطلبوا طلاباً أو جنوداً للالتحاق بالكلية الحربية، فضلت الدخول إلى الكلية وأدوس على كل المشاكل الأسرية وأن أطور نفسي.. وقد لا تصدق إذا ما قلت لك أنني لم أخرج حتى من باب الكلية إلا إذا كان لممارسة رياضة أو ما له صلة بالتدريبات.. ومنذ سبتمبر 1965م حتى تخرجي وساعدني على الاطلاع وجود مكتبة ضخمة مزودة بالكثير من الكتب، كنت أظل دائماً داخلها للقراءة وهناك عرفت ما هي القوانين الدولية والمواثيق والاتفاقيات وكنت عندما تخرجت من أوائل الطلاب بعد كل من عبد الله الرزامي الذي جاء ترتيبه الأول ويحيى الخراشي الذي حصل على المرتبة الثانية وكان ترتيبي الثالث من الأوائل. وأثناء دراستنا في الكلية كان الوعي يتشكل أكثر فأكثر خصوصاً إذا ما علمت أن الكثير من المثقفين الوطنيين من حركة القوميين العرب يطلب منهم إلقاء محاضرات توعوية.. مثل الأستاذ عبد الحافظ  قائد الذي كان يسحر عقول طلاب الكلية أثناء إلقاءه محاضرة ما وعموماً عندما تخرجت في شهر مارس67 توزعت في نقطة جحانة مع الشرطة العسكرية وبعد فترة جاء انتداب لمجموعة ينزلوا مع الجبهة القومية بالذخيرة إلى الجنوب..

سلمت الذخيرة لسالمين والبيض والاشطل

كنت التحقت بالجبهة عندما كنت في سجن جيزان وكان الذي استقطبنا حينها واحد من يافع وواحد من أبين كانوا من حركة القوميين العرب يقوموا بعملية استقطاب لمن يثقون فيهم وكنت واحدا ممن استقطبوا ولكن السرية كانت تقتضي يومها منا كل الحرص حتى لا يعرف بذلك الذين لم يستوعبوا أهداف الجبهة القومية.

انتقلنا بالذخيرة إلى البيضاء ومنها إلى مكيراس واستقبلنا يحيى الشامي – الله يرحمه محافظ البيضاء- وصلنا منطقة العقبة الساعة 3عصراً وكان في انتظارنا “سالم ربيع علي – علي سالم البيض- عبد الله الأشطل” وكانوا يتدارسون في اجتماعهم خطة إسقاط محافظة أبين وسلمناهم الذخيرة التي قاموا بتوزيعها ثم خرجنا مجموعة مع سالم ربيع علي (سالمين) وأخرى ذهبت مع علي سالم البيض وثالثة مع عبد الله الأشطل وسقطت أبين يوم 12أغسطس 1967م بيد الجبهة القومية ثم سقطت مديرية (رصد) التابعة للحج يومها.

وبعد المعركة هذه خضنا معركة كانت من أشرس المعارك بين الجبهة والتحرير في منطقة (الحرور) بين محافظتي لحج وأبين.

كنت تحت قيادة سالمين في هذه المواجهة التي وقعت واستمرت قرابة أسبوع ذقنا فيها المر وبعد اندحار التحرير أمامنا وسيطرتنا على منطقة الحرور ودعت قيادة الجبهة وعدت إلى صنعاء..

الانقلاب على السلال وحصار صنعاء

لما عدنا إلى صنعاء كانت الضغينة موجودة وكانت صنعاء تغتلي ضد الضباط الجدد وضد السلال وما هي إلا فترة وجيزة من عودتنا حتى 5 نوفمبر 1967اليوم الذي حصل فيه الانقلاب على الرئيس السلال وبدأت المشاكل تتزايد وبدأ الملكيون يجمعون صفوفهم وحاول بعضهم أن يدخل إلى صنعاء والبعض يجلس خارجها انتظارا للفرصة التي ينقضوا فيها على صنعاء وبدأت جحافل كبيرة من بني مطر ومن حاشد تهاجم صنعاء وتحاصر الهضبة وعندما أخذت الأوضاع تزداد سوءاً يوما بعد يوم وتهدد الجمهورية حدث تكاتف بين صفوف الجيش وفي المقابل كان الملكيون يحاولون استغلال الانتكاسة والظروف المتوترة بين قيادة الجمهورية التي كان من أبرز صورها الانقلاب على السلال، وبدت الدنيا حبلى بالحرب في الشمال والجنوب ففي عدن وبعض المناطق حدثت مواجهات بين القومية والتحرير، وفي صنعاء تشكل معسكراً ضم كل من جبهة التحرير والملكيين وكل جحافل الاستخبارات البريطانية في معسكر قوات العاصفة داخل صنعاء لغرض قنص المناضلين وأفراد المظلات وألوية الوحدة  بعد أن فتح الحصار.

عبد الرقيب تقدم لها وحده

كان أبرز الأسماء في فكه عن صنعاء يكاد يتوقف عند اسم عبد الرقيب عبد الوهاب هذا البطل الذي كان اسمه يتصدر كل الأسماء الكبيرة عندما يأتي الحديث عن صنعاء وعن الحصار وكيف تم فك الحصار.

هنا أقول وللحقيقة والتاريخ بكل صدق انه في ليلة من ليالي الحصار على صنعاء أجتمع كثير من الضباط بينهم (الرحومي والدفعي) ولم يبق واحد من الضباط إلا ورفض أن يقبل رئاسة هيئة الأركان ولم يبق واحد مستعد لها أي لقيادة الهيئة، الجميع رفض وتنصل عن هذه المهمة لكن عبد الرقيب  عبد الوهاب تقدم لها بكل شجاعة وجمع أصحاب الدائرة المالية وأعطاهم من (شيكي) وقال لهم توجهوا نحو عيبان والذي بايرجع منكم بايصرف مرتبات الجيش أما الذي بايموت قد حقه معه وطلعوا واقتحموا عيبان وكان معهم جنود من المقاومة الشعبية.

وإذا خضنا الحديث في هذا الباب بشأن الحصار سنحتاج إلى وقت طويل -دعه لمرة ثانية- إنما إذا أردت بخلاصة أن تعرف من هو بطل فك الحصار فسأقول لك كضابط شارك في هذه المعركة” أنه عبد الرقيب عبد الوهاب”.

“سجنا لأننا حركيين”

سجنا يومها لأننا حركيين أي ننتمي لحركة القوميين العرب على هذا الأساس سجنا لأننا كنا نشكل موقفا خطيراً وقوياً كنا المستهدفين من قبل القوى المعادية بأحداث أغسطس 68 التي أسفرت عن مشاكل ومواجهات بين الوحدات العسكرية ونحن في تقديرها أولئك العائدين من حرب الملكية أو الذين هربوا من الجنوب وكانوا من أعضاء الجبهة القومية وشكلوا جحافل في الحديدة (السخنة) وشكلوا الصاعقة والمغاوير وغيرها وبدت النزعات ضد الحركيين الذين أخافوهم وخططوا مشروعاً لضرب الحركة المدنية داخل مدينة صنعاء وبدأت المواجهات يوم الاثنين 22أغسطس 68تعم المدينة التي ترتب على أحداثها خروج وسفر عبد الرقيب عبد الوهاب وحمود ناجي وأحمد ناصر العنسي وعبد الرقيب الحربي حيث سافروا إلى الجزائر بغية الصلح بينهم والطرف الأخر الذي رفض الخروج ثم عاد الذين سافروا إلى سوريا ومنها إلى عدن بالنسبة لعبد الرقيب عاد إلى تعز فصنعاء حيث تم اغتياله

“الانقلاب على الثورة”

أسفرت أحداث أغسطس 68 م عن ضرب وإنهاء أعضاء الحركة داخل الجيش وتحول الجيش من جيش وطني كان يضم في صفوفه مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية في اليمن إلى جيش قبيلة وجمدت بعد هذه الأحداث وأزيحت المقاومة الشعبية وألغيت النقابات ونهبت مقراتها.. عندك مثلاً مقر اتحاد العمال نهب وأقيم مكانه جهاز الأمن الداخلي وفي تقديري أن أحداث أغسطس تعد انقلابا على ثورة وأهداف الـ 26 من سبتمبر بكل ما يحمله مصطلح الانقلاب، انقلاب على التغيير انقلاب على التحديث وتحقيق طموحات الشعب

“سجن القلعة”

سجنا عقب هذه الأحداث كل الحركيين الذين كانوا في الجيش ومن المقاومين الشعبيين والنقابيين كل من كان له صلة بالحركة أنا مثلا فوجئت بأفراد يتبعون جهاز الأمن الداخلي جاءوا إلى وحدة الصاعقة وقت الظهر بينما كنت أتناول وجبة الغذاء ودون أية أوامر رسمية أو قضائية طلبوا مني الذهاب معهم ولم يحدث أن استنكر أحد ممن كان حاضراً من الزملاء الجنود الموقف لأن الوحدة صارت بين القوى التقليدية المنتصرة على القوى الحداثية التي كنت واحدا من أفرادها ذهبت معهم فورا إلى مقر الأمن الداخلي ومنه إلى سجن القلعة الذي كان موقعه قصر السلاح (غمدان) وهناك التقيت بالرفيق المناضل الشهيد جار الله عمر وعلي مثنى جبران الذي كان قائد سلاح المدفعية أثناء وبعد الحصار وعبد العزيز عبد الولي الذي صار وزيراً للتخطيط في عدن بعد ذلك وتوفي في ألمانيا متأثرا بالسم عام 1981م وهو أخ الدكتور محمد عبد الولي ناشر العبسي وزير الصحة السابق في عهد الوحدة وسفير اليمن في كندا حاليا تعرفت عليه في سجن القلعة وعرفت أنه ليس الكاتب محمد أحمد عبد الولي رائد القصة في اليمن الذي توفي في حادثة الدبلوماسيين الـ 30 داخل طائرة في 30/4/1973م والتقيت هناك بعبد الكريم عمر أتذكر أنني على مدار السنتين التقيت بالأستاذين المرحومين عميد الأدب عبد الله البردوني والشاعر الشعبي محمد الذهباني مرتين أدخلا فيهما سجن القلعة ولكن كانا يطلقان بعد فترة وجيزة أعتقد أن البردوني كوّن قصيدة “لعيني أم بلقيس” وهو عندنا في السجن حيث استمعنا إليها حين دخل القلعة وكانت هذه الفترة هي الأنضج للذهن والوعي ورؤية الطريق الذي نتمنى لليمن أن تسير فيه. الجلوس مع هذه الكوكبة توفر لك ما لا توفره الجامعات من ثراء معرفي وغيره

الخروج من سجن القلعة

عندما خرجت من سجن القلعة بعد مرور عامين في سبتمبر 1970م عدت إلى وحدتي العسكرية الصاعقة ورفض ضمي في البداية لكن تم تعييني قائدا على الشرطة العسكرية في تعز كان أعداد أفرادها تقريبا بين الـ (15-20) فرداً فقط وكانت أسرة (أبو لحوم) مهيمنة على قيادة كل من تعز وإب ولكن علاقتي بالعواضي محافظ تعز صارت تقوى من وقت إلى أخر بحكم العمل المشترك بينا وبحكم المسار الحركي أيضاً.

عوض الحامد للعواضي.. الأمانة وصلت

بدأت العلاقات بين الشمال والجنوب يومها تزداد سوءاً إلى حد أن أفراد الأمن قاموا بملاحقة (عائدة علي سعيد) وهي تدرس في مدينة تعز وجاءت لي الأوامر من العواضي بتهريبها من بيت (الشيخ عبد الوهاب الفاتش) في (هجدة) أحد القادة العسكريين المستجدين أخذتها من هجدة إلى المفرق بسيارة (لاندروفل) بـ نص ريال ومن المفرق مشينا إلى منطقة (البواكر) قريب الزريقة على طريق المصلى (التي غنا المرشدي عنها أغنية يا نجم يا سامر فوق المصلى) سرنا حتى البواكر ومنها إلى العند وكان معي شخص اسمه (يحيى البوكري) الله يرحمه أكان ما يزال حياً أو مات، ولم أعد إلا بعد أن التقيت بمحافظ لحج (عوض الحامد) الذي استلم (عائدة) وشكرنا بحرارة وأعطانا رسالة يشكر فيها محافظ تعز (أحمد عبد ربه العواضي) ويقول فيها أن الأمانة وصلت.

مقتل العواضي محافظ تعز

عدت إلى عملي في تعز وسلمت للعواضي الرسالة وأدركت مدى إخلاص الشيخ أحمد عبد ربه العواضي للأخوة في الشطر الجنوبي من الوطن.

بعد هذا الموقف من العواضي أخذت علاقته مع القيادة في الشمال تزداد توتراً وتطوراً حتى وصلت إلى حد عدم العودة من إقدام السلطة على أي فعل ضد العواضي وهو ما حدث إذ تمت تصفيته.. وهنا يتدخل (هزاع) مذكرا فرحان:

واعتقد أنه وفي شهر مارس 1973م قتل لأنني كنت في نفس منزله يوم اعتقل كان هو في الطابق الأعلى وكنت في الطابق الذي تحته في شارع علي عبد المغني تقريبا الشارع الذي يؤدي إلى القصر الجمهوري وفي اليوم الثالث حصلت المعركة في قصر القلعة التي استمرت من الصباح حتى الساعة الـ 4عصراً تقريباً بين جماعة العواضي والجيش حيث شعرت جماعته أن القيادة سوف تقوم بتصفيته ففجرت الموقف بقصد إنقاذه ولكن العواضي قتل ولم تجد محاولات إنقاذه في شيء.

التعذيب في السجن

على أثر هذه الحادثة لجأت إلى عدن والتحقت بالجيش الجنوبي والعمل السري وظللت أتردد إلى المناطق الشمالية حتى القي القبض علي في مدينة عمران يوم 27 أغسطس 1979م أثناء النهار في باب المسجد وكان عمري فوق الثلاثين عاما تم إيداعي داخل غرفة تقدر مساحتها بـ (4×3) م2 خالية من أية أسرة كنا نفترش بطانيات مهترئة رثة بالية فوق أرضية طينية غير مستوية وكان عددنا (15) نفر نرقد ملتصقين ولا يستطيع أحدنا أن ينقلب على جانبيه غرفة لا تعرف النور ولا الضوء تخيل نفسك داخل غرفة كهذه كيف ستكون؟ لا يسمح لنا باستخدام الحمام سوى 3 مرات في اليوم الصباح والظهر والمساء ولا نتعرض لأشعة الشمس غير مرة واحدة في الأسبوع ولمدة لا تزيد عن ساعة لا أستطيع أن أصف لك نوع التغذية الذي يقدم لنا لأنه عبارة عن أربع حبات كدم في اليوم الواحد ولا توجد رعاية صحية..

التحقيق معي كان يتم على فترات شبه متواصلة طيلة السنتين والنصف التي قضيتها داخل السجن أحيانا في الليل وأخرى في النهار وبعض الأحيان يتم معي دون أن أرى الشخص الذي يحقق معي من خلال الصوت ومر محمد خميس ظل يحقق معي ثلاثة ليال وأتذكر من أسماء الذين حققوا معي ضابطا اسمه أحمد عبد الرحيم وللعلم وقعت على ما يزيد عن عشرين صفحة دون أن يسمح لي حتى بقراءتها..

كانوا يخرجونا في بعض الليالي يطوفون بنا حول بركة ماء ونحن مثقلين بقيود حديدية نظل نطوف حول البركة ولسعات العصيان تنزل على ظهورنا وأخيرا يقذفوا بنا إلى داخل البركة الباردة كريهة الرائحة.. صحيح أن ذلك التعذيب لم يترك أية أثار أو عاهات بدنية بالنسبة لي غير أن أثاره النفسية ما زالت ملازمة خيالي ملتصقة في ذاكرتي خصوصا عندما أتذكر من أعدم أو قضى نحبه تحت هذا الظرف باطلا كل ذنبه أنه كان وحدويا.

معذبين في الذاكرة

أتذكر من الذين تعرضوا للتعذيب (زعفران زوجة أحمد فارع) وزوجة عبد الله نجاد وأبنته وأبناءه الاثنين (سند ورشاد) وعلي المولد وصالح المولد من منطقة الشعر بمحافظة إب وهم أبناء عم للشهيد الضابط صالح المولد والأستاذ عبد الرحمن سيف إسماعيل العبسي وعبد الرحمن غالب المقطري وأتذكر أن محمد خميس كان يلوي يد علي المولد وهي مصابة بطلقة نارية ومكسورة ويزيد من ليها فيصرخ حتى يسمع صوته كل من في غرف السجن أعتقد أنه ما زال حيا ولكن عاهة يده ظلت ملازمة له أيضا إن أنسى فلن أنسى الأخت زعفران تلك المرأة المثالية ليست فقط لنساء الحجرية وحسب بل لكل نساء اليمن الأحرار كان محمد خميس يعذبها بعصا غليظة يضربها على بطنها بمنتهى القسوة وهي حامل وعلى وشك أن تلد وفعلا ولدت داخل السجن وأسمت ابنها على اسم السجن “حمير” سلام على أم حمير وزوجة عبد الله نجاد وابنته وكل من عذب.

لن أسامح إلا بهذه الشروط

عندما تطالبني بمسامحة الذين عذبوني أولا أين هم أولئك الذين عذبونا؟ بعضهم مات وبعضهم ما يزال يرى نفسه أنه كان على حق وثانيا الذي يفترض أنه يعتذر هو النظام وحتى إذا أعتذر فلن أقبل لأنه قبل أن يعتذر عليه قبل كل شيء أن يقوم بتعويض الناس الذين عذبوا دون مبرر سوى أنهم وحدويون ولهم وجهة نظر حول سياسة البلاد يرون أنها الأنسب وأن يصحح أوضاع البلاد والعباد التي صارت إلى ما صارت إليه اليوم من أزمات وحروب وفقر وترد نحو الأسوأ ، عليه أن يصحح كل الأخطاء القائمة ويعوض من أوذي في كرامته وصحته ثم يعتذر بعد ذلك هنالك فقط وبهذه الشروط سوف نسامح ودون ذلك سنترك الأمر  للزمان.

زر الذهاب إلى الأعلى